Tuesday, November 07, 2006

عودة إلى الطبيعة بدلا من موضات الحمي

لأكل الفطري وفوائده .. نمط صحي للتغذية يطرح نفسه

عودة إلى الطبيعة بدلا من موضات الحمية

الرياض: د. عبير مبارك
دعوا جانباً كل ما سبق لكم سماعه عن موضات أنظمة الحمية لتخفيف الوزن ولخفض الدهون واعتدال نسبة سكر الدم. تلك الموضات التي لم تعد تصدر عن هيئات طبية عالمية أو أطباء معروفين،
بل وصل الحال إلى عارضات الأزياء ومذيعات التلفزيون وممثلات السينما، ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الطب ولا بعلمه. إذْ الجديد أن ثمة هناك من يقول لنا كلاماً آخر نفهمه بسهوله ونستطيع تطبيقه بواقعية، وهو العودة إلى الطبيعة البشرية الأصلية للإنسان ككائن حي في طريقة أكله الفطري الغريزي، عبر اتباع ما يدعوه إلى تناول الطعام وما يُوقفه أيضاً عن الإفراط فيه. أي أن تأكل متى ما أحسست بالجوع، وتتوقف متى ما أحسست بالشبع.

الحديث العلمي حول الأكل بطريقة فطريةintuitive eating.

بدأ همساً منذ سنوات في الأوساط العلمية، لكن البروفيسور ستيفن هواك، المتخصص في علوم الصحة بجامعة بريهام يونغ، نشر في عدد نوفمبر(تشرين الثاني) من العام الماضي من المجلة الأميركية للتثقيف الصحي، نتائج دراسته المبدئية لممارسة أكل الأطعمة بطريقة فطرية. وكان البروفيسور هواك قد بدأ بتطبيق الطريقة على نفسه منذ سنوات، وقال بأن ذلك ساعده على التخلص من أكثر من 23 كيلوغراماً. ووفق معيار خاص، قام البروفيسور هواك بوضعه وتطويره، يتم التمكن من تحديد مدى مطابقة طريقة أكل الإنسان للطريقة الفطرية في الأكل. وتبين له بدراسة تطبيق طلاب الجامعات لهذا النمط من طريقة الأكل، أنه كلما كان الإنسان أكثر التزاماً به، نقص وزن الجسم، وانخفضت نسبة الدهون الثلاثية الضارة في الدم، وارتفعت نسبة الكولسترول الثقيل الحميد، وتدنت احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب عبر خفض مقدار عوامل خطورة الإصابة بها. وتحديداً فإن منْ يلتزمون بهذا النمط في سلوكيات الأكل، هم أقل بمقدار الثلث في وزن الجسم وأفضل بمقدار 20% في نسب عناصر تحليل الدهون والكولسترول، وبالتالي في عوامل الإصابة بأمراض الشرايين.

وهو ما دفعه القول آنذاك بأن النتائج تدعم اختيار طريقة الأكل الغريزي للحصول على أوزان صحية للجسم. وبدأ بعد النتائج تلك بالإعداد لدراسة واسعة لإثبات الأمر ضمن شريحة أكبر من الناس وفي أعمار مختلفة.

* فشل ونجاح

* وكان مما قاله إن الناس في مناطق واسعة من العالم، كآسيا وغيرها، هم بالأصل يتناولون الأطعمة بالطريقة الفطرية الغريزية، وأضاف عبارة غاية في الدقة بأنهم، أي هؤلاء الناس لم يتعرضوا لصياغة حالة من الاشتراط في علاقتهم بالأكل، مثل ما هو حاصل مع الناس في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة. والشيء الوحيد الذي في علاقتهم مع الأكل هو أن الغاية من الأكل هي الاستمتاع به، حيث يأكل الإنسان متى ما أحس بالجوع، ويتوقف عنه متى ما أحس بالشبع. ولذا فإن علاقتهم بالطعام علاقة صحية، وتقل بينهم حالات اضطرابات الأكل والإفراط فيه، وتحديداً تتدنى نسبة السمنة بينهم.

وأثار نقطة مهمة طالما لاحظها الناس الذين يتبعون أنواع وموضات الحمية، قبل أن نقول إن الأطباء لاحظوها، وهو أن فائدة اتباع أنواع موضات الحمية الغذائية تلك محدودة، ولا يدوم مفعولها بعد اتباعها ثم التوقف عنها سوى أوقات قصيرة، إذْ يعود الوزن إلى سابق ارتفاعه لدى الغالبية. بل إنها تستنزف من الإنسان أمولاً ووقتاً وتحرمه من متعة تناول الطعام، والأهم تحرمه من الاستفادة من العناصر الغذائية اللازمة لنمو جسمه ونشاطه في أنواع شتى من المنتجات الغذائية.

إن ما يجعل الأكل بالطريقة الغريزية الفطرية أمرا مختلفا تماماً عن موضات الحمية الغذائية، هو أن اتباع هذه الأنماط المصطنعة من الحمية الغذائية مخالف للطبيعة البشرية وما غُرس لديه من غرائز وفطرة حيال الأكل وتناوله. بينما نمط الأكل الغريزي، يجعل الإنسان يفهم جسمه ويفهم التفاعلات الحيوية فيه ويُدرك متطلباته من كميات الطعام، ولذا فإن الأصل يكون لديه الإقبال على تناول الطعام، بخلاف الحميات المصطنعة، التي الأصل فيها المنع من تناول الطعام. وهو ما يُفسر النجاح بعيد المدى للأكل الفطري، والفشل السريع لتلك الحميات المصطنعة.

* أربع خطوات

* ويرى البروفيسور هواك أن تبني نمط الأكل الفطري من قبل إنسان ما يتطلب منه التحلي بأربعة جوانب من السلوكيات، الأول هو تقبل النفس والجسم الذي لنا، والثاني هو أن إنهاك الجسم بالحميات الغذائية شيء ضار بالجسم وصحته.

وقال إنه يجب على الناس أن يُغيروا سلوكيات نظرتهم نحو أجسامهم، لكن يجب عليهم أن يصلوا إلى نقطة من القرار الواعي بأن قيمة وقدر الإنسان لا علاقة لهما بحجم جسمه. وأضاف بدلاً من تكوين علاقة سلبية مع الجسم من خلال عدم تقبل ما هو عليه، فإنه ينبغي ضبط ذلك الشعور، وعدم إجبار الإنسان نفسه الوصول إلى مرحلة النحافة في الجسم، بل على الإنسان أن يقول أنا أقدر جسمي لأنه يُمكنني من أداء أشياء جميلة و ذات قيم عالية في حياتي.

ونبه إلى أن الحميات المصطنعة لا تصل بالناس إلى نتائج يظن الكثيرون أنها ستوصلهم إليها. ولذا ينصح بأن يقول المرء لنفسه إنني لن أجعل مما يضعه مؤلفو الحميات تلك أساساً لطريقتي في تناول الطعام.

والجانب الثالث هو أن الأساس في تعلم فن تناول الأكل بطريقة فطرية غريزية هو تعلم كيفية تجنب تناول الأطعمة استجابة لظروف عاطفية أو بيئية أو اجتماعية. بمعنى أن تتعلم كيف تتجه إلى تناول الطعام، حينما يحتاجه جسمك فقط.

وكلنا يُمارس الأكل تحت تأثير ظروف مختلفة لا علاقة لها بنداء جوع الجسم، وليس جوع المعدة المتلهفة للمزيد من الأطعمة الشهية دوماً. فنأكل حينما نخرج للمطعم في مناسبات اجتماعية أو عاطفية أو موسمية شتى، ونأكل حينما نحزن أو حينما نفرح، ولأن الوجبات عددها كذا وكذا وغير تلك من الظروف التي تفرض الأكل علينا دونما حاجة فطرية منا له.

والجانب الرابع، والأهم، هو تعلم فن الانتباه وفهم نداءات الجسم وإشارات رسائله، حول الشره أو الجوع، ومن ثم إتقان تبني نمط سلوكي في الأكل يتمتع بأنه صحي وإيجابي وغني بالعناصر الغذائية الضرورية واللازمة للجسم.

وإتقان فن التقاط رسائل الجسم أمر صعب في البداية، لكن الدكتور هواك يقترح أن يفكر أحدنا بشعوره بالجوع ويُقومه ضمن معيار من 10 نقاط، كأن يقول لنفسه حينما يُحس بالجوع إن مقدار إحساسي به هو 6 أو 4 مثلاً، مقارنة بالحالة التي يُحس فيها الإنسان حقيقة بإنهاك الجوع. وكذلك يستحضر الأمر في الذهن عند تناول الطعام، فمتى ما أحس بالشبع توقف.

* النساء والأكل

* ومن الذين أجروا دراسات حول الأكل الفطري، الدكتورة تريسي تايلاك، وهي طبيبة نفسية بجامعة ولاية أوهايو الأميركية، وآخر دراساتها نشرتها في إبريل (نيسان) الماضي، وألقت محاضرة حولها في لقاء الرابطة الأميركية لأطباء النفسية مؤخراً. وتقول بأن كثيراً من حديث النساء يدور حول وزن الجسم، ويعتقدن أن أفضل ما يفعلنه هو إنقاص الوزن كي يشعرن بحال أفضل.

وأضافت بأن من يتبنون الأكل الفطري لا يحرمون أنفسهم من شيء، فيسمحون لأنفسهم من دون شروط بتناول ما شاءوا من الأطعمة متى ما أحسوا بالجوع، ودافعهم جسدي وليس عاطفيا، أي استجابة لجوع داخلي حقيقي.

وفي دراساتها أثبتت أن من يتناولون الأطعمة بطريقة فطرية هم أقل وزناً ممن يتبعون الحميات الغذائية المصطنعة، وبأنهم ينظرون بإيجابية نفسية نحو أنفسهم.

والقصة بمجملها تعود بالإنسان إلى البدايات، أي قبل دخول ارتفاع وزن الجسم أو الخوف منه إلى نفسه. والسؤال هو لماذا نأكل؟ وبناء عليه فإننا لو اتبعنا حاجة الجسم الحقيقية فلن يكون هناك مجال لا للسمنة و للحميات الغذائية ولا الأمراض الناجمة عن زيادة الوزن.

لكن قبل البدء بالأكل الفطري، يجب تعويد المعدة على أن لا تطلب فوق ما يحتاجه الجسم. لأن من تعود الأكل بإفراط فإن المعدة تتطلب أيضاً بإفراط وتشعر بالجوع ما لم يتم تزويدها هي، لا بقية الجسم، بالأكل.


No comments: