Saturday, November 05, 2011

حتي نحتفي به بالأسلوب الأمثل.. »العيد«.. فرصة لتمام البر في المجتمع


< < "العيد".. شعيرة من شعائر الإسلام تنطوي علي حكم عظيمة، ومعان جليلة.. تتعدد غاياتها وأهدافها ما بين إدخال الفرحة والسرور علي قلوب المسلمين، وبين كونها فرصة للتقرب إلي الله تعالي، وشكره علي إتمام النعمة، وبين كونها مناسبة لتمام البر في المجتمع بالتوسعة علي الفقراء والمساكين. ونحن نعيش فرحة عيد الأضحي، والذي تحتفل به الأمة العربية والإسلامية اعتبارا من الغد.. ترصد "أخبار اليوم" في التحقيق التالي معاني العيد وقيمه وحكمه وسبل الاحتفاء به. < <

يقول د.يوسف قاسم الإستاذ بجامعة الأزهر: الهدف الأساسي من تشريع الإسلام ليوم العيد يتمثل في إدخال السرور والفرحة والبهجة علي قلوب المسلمين بعد أن امتثلوا لطاعة الله تعالي، حيث يأتي العيد في الإسلام بعد عبادة شاقة، فعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان الكريم، وعيد الاضحي يأتي بعد أداء فريضة الحج، وقد شرع العيد ليكون بمثابة جائزة أو مكافأة لكل من أدي العبادة، وامتثل لطاعة الله عزوجل.
ويضيف د. قاسم: وتعد الأعياد مظهرا من مظاهر الفرح والسرور في الإسلام، وشعيرة من شعائره التي تنطوي علي حكم عظيمة، ومعان جليلة، فالإسلام لم يأت ليكون طوقا حول رقبة معتنقيه، بل جاء تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية، وكان مقصده الأسمي في تشريعاته وأحكامه ضبط العلاقة بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، فقال الله تعالي: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" ومن مظاهر هذا المقصد الإسلامي استحباب الاحتفاء بالأعياد، ومشروعية الترويح عن النفس من هموم الحياة، فضلا عن أن الاعياد في المقام الأول احتفال بإتمام فريضة، فالصائمون يفرحون بالعيد لأدائهم فريضة الصوم، والحجاج يفرحون لأنهم أدوا شعيرة الحج، ويشاركهم المقيمون في أوطانهم بالتقرب إلي الله بالأضاحي إحياء لسنة الأنبياء من لدن إبراهيم إلي خاتمهم محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وبذلك سما الإسلام بمعني العيد وربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض وشكر الله علي القيام بها. ويطالب د. قاسم الأسرة المسلمة بأن تعلي من قيمة العيد وأهدافه في نفوس أطفالها، بحيث لايكون مجرد فرصة للهو والترويح عن النفس فقط، وإنما لابد أن يكون إلي جانب ذلك فرصة للتقرب إلي الله تعالي، وشكره علي إتمام النعمة، مؤكدا أن الغاية العظمي من الأعياد إدخال السرور والبهجة علي المسلمين رجالا ونساء وأطفالا، إلا أنها في الوقت ذاته لم تشرع من أجل الفرح المجرد فقط، بل لتمام البر في المجتمع الإسلامي، حيث يصبح البر قضية اجتماعية عامة، لأمر النبي صلي الله عليه وسلم الأغنياء بإدخال السرور علي الفقراء في هذه الأيام وتجنيبهم ذل المسألة، فيحث صلي الله عليه وسلم علي مساعدة الفقراء في أيام العيد سواء عيد الفطر أو الأضحي، فيقول: "اغنوهم في هذا اليوم".. ويشير د. قاسم إلي أن الفرح بالعيد له وجوه عدة، فهناك من يميل إلي الذكر والعبادات، وآخر يؤثر مواساة الفقير والمحتاج بكثرة الصلات، والجميع ينشرون جوا من المحبة والوئام في المجتمع بأطيب الكلمات، وأقلها كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير ويمن وبركات.
فرحة العيد 



           
ومن جانبه يشير د. سيد محمود إستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إلي أن الأعياد لم تشرع لتكون مناسبات فارغة المحتوي والمضمون من الدلالات الأخلاقية والإنسانية، وإنما جاءت لتكون مظاهر لقيم الإسلام وآدابه وجمالياته المعنوية والحسية، فالأعياد تجدد الروابط الإنسانية، حيث يتجلي السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، وتشيع التهاني والقول الحسن بين الناس، ويظهر المسلمون بصفة الرحمة التي هي قوام دينهم، فتتجدد العلاقات الإنسانية وتقوي الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية. ويقول د. محمود: تبدأ فرحة العيد حين يتردد التكبير صباح يوم العيد وتمتلأ المساجد بالمصلين في صلاة العيد، وهو بهذا المعني هدية من رب العباد علي الناس لاستعادة الفرحة، وجمع شمل الأسرة، وتقوية أواصر الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد من خلال تبادل الزيارات بين الأهل والاصدقاء،
ويضيف: كما أن هناك هدفا آخر للأعياد في الإسلام يتمثل في ترسيخ قيم أعمال الخير والبر، بحيث يساعد الغني الفقير، ولهذا ارتبط العيد في الإسلام بشعيرة التصدق، ففي عيد الفطر شرعت زكاة الفطر للتوسعة علي الفقراء، وفي يوم عيد الأضحي جاءت شعيرة الأضحية من باب إدخال السرور علي الفقراء في الأعياد، فلم يسنها الإسلام ليشبع أصحاب الأضحية من اللحم، ولكن ليتشارك الجميع في الشبع، ولتلتقي قوة الغني وضعف الفقير علي عدالة ومحبة ورحمة من وحي السماء، وعنوان ذلك كله الزكاة، والصدقة، والإحسان، والتوسعة.
صلة الأقارب


ومن جانب أخر يشدد د. أحمد كريمة إستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر علي ضرورة أن يعمل رب الأسرة خلال أيام العيد علي إدخال الفرح والسعادة علي الأطفال والنساء اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم، فقد دخل أبو بكر رضي الله عنه علي عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان في أيام مني تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلي الله عليه وسلم مسجي بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله عن رأسه وقال: "دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا هذا اليوم".ويقول د. كريمة: ليست الفرحة والسرور هي غاية العيد في الإسلام فقط، وإنما إلي جانب ذلك دعا الإسلام في الاعياد إلي زيادة الأواصر الاجتماعية، إذ حث علي بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم، فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد، وتزول الأحقاد والمشاحنات والنفرة من النفوس. وعن كيفية إحياء ليلة العيد يقول د. كريمة: يسن إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر وصلاة وغير ذلك من العبادات لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: من قام ليلتي العيدين لله محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ويحصل الإحياء بمعظم الليل كالمبيت بمني، وقيل بساعة منه، وعن ابن عباس رضي الله تعالي عنهما أنه قال: بصلاة العشاء جماعة، والعزم علي صلاة الصبح جماعة، والدعاء فيهما.
صلاة العيد


وفيما يتعلق بصلاة العيد يؤكد د. كريمة أن صلاة العيد تعد مظهرا من مظاهر الفرحة، ترتفع الأصوات فيها بالتكبير في بهجة وسرور بما أنعم الله علي الأمة الإسلامية من توفيق في أداء الفرائض، قال تعالي: "ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون"، والتكبير هو التعظيم، والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل علي وجه العموم، وذلك في كلمة "الله أكبر" كناية عن وحدانيته بالألوهية لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق للألوهية ولذلك شرع التكبير في الصلاة لإبطال السجود لغير الله، وشرع التكبير عند نحر الهدي في الحج وكذلك الأضحية لإبطال ما كان يتقرب به مشركو مكة إلي أصنامهم ويندب التكبير في عيد الأضحي من فجر يوم عرفة إلي غروب ثالث أيام التشريق، جماعة وفرادي في البيوت والمساجد، إشعارا بوحدة الأمة، وإظهارا للعبودية، وامتثالا وبيانا لقوله سبحانه "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون". وعن مشاركة المرأة في صلاة العيد يشير د. كريمة إلي أن النبي صلي الله عليه وسلم خص النساء بمزيد من العناية والاهتمام في هذا اليوم فأمر بخروجهن إلي صلاة العيد مهما كانت أحوالهن، فعن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحي العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها" والحديث وما في معناه من الأحاديث قاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلي المصلي من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة أو كان خروجها فتنة أو كان لها عذر.

No comments: