Thursday, May 22, 2008

"زواج المؤانسة " مرفوض اجتماعياً

تحكمه عادات غبية وتقاليد بالية

محيط - فادية عبود






لم يعد ذلك المنزل المليء بضجيج الأطفال وضحكات الشباب، إلا سكناً للذكريات ومأوى لمسن يعاني من فراغ الوحدة بعد وفاة شريكه في الحياة وأشغال أولاده عنه، مما يجعله يعد الدقائق والساعات منتظراً أجله.

من هنا طُرحت فكرة "زواج المؤانسة" في مؤتمر الشيخوخة بأبي ظبي ، ليكون بريق أمل للمسنين من جديد، ولا مانع من أن يتبنى الزوجان المسنان أطفالاً يتامى لتكتمل الأسرة، ولكن هل الفكرة مقبولة من الناحية الاجتماعية ؟ وما أثرها النفسي على المسن ؟

معاناة الفراق

من كتاب "دموع القلب" للراحل عبد الوهاب مطاوع ، أرسل أحد قراء بريده إليه بمشكلته ، موضحاً في بدايتها أنه رجل عصامي تخرج من إحدى كليات القمة ورزقه الله بنعم الزوجة الذرية الصالحة، واستطاع أن يبني عمارة بها شققاً بعدد الأولاد وزوجهم جميعاً إلا الابن الأصغر، وبعد مشوار طويل تركته زوجته وانتقلت إلى الرفيق الأعلى، ولم يؤنس وحدته إلا ابنه الأصغر الذي انشغل هو أيضاً باستعداده للزواج، ولم يعد يراه الأب إلا طالباً للنقود أو المشورة.

ويقول الأب : "أصبحت أعاني من مرارة الفراق والحرمان من الأنيس والجليس أوقات الليل والنهار، مع أن أبنائي المتزوجين يقيمون فوقي وتحتي في المنزل نفسه، لكن كل منهم أصبح له حياته الخاصة وأصبحت لا أجد من أتكلم معه، سوى صرتي ودعائي لربي بأن يخرجني من كربي وحزني، وأشعر دائماً بالاكتئاب والميل إلى البكاء والانطواء، لولا تمسكي بالصبر والصلاة.






ثم جاءني صديقي العزيز وجاري لزيارتي ، فدهش لما وصل إليه حالي، واقترح علي ضرورة الزواج مرة أخرى، لأن الرجل في حاجة دائماً إلى زوجة ترعاه ويرعاها، خاصة وأني وقتها لم أبلغ الستين وقادراً صحياً ومادياً على الزواج.

اقتنعت بوجهة نظره وفاتحت أبنائي برغبتي في البحث عن زوجة تناسبني من حيث السن والمستوى الاجتماعي والثقافي، لكنهم فتحوا علي أبواب الجحيم ، وفوجئت بالرفض القاطع الذي لا يبرره شيء إلا الرغبة في الرفض.

تألمت كثيراً، ولكني لم أشأ إيلامهم أو إحراجهم، وتساءلت عن الحل البديل الذي يرضيهم لوحدتي، فكان الحل الذي اقترحوه هو أن يتكفل الأبناء بالتناوب كل يوم بشئوني المنزلية، فرضيت لهذا الحل المنقوص إكراماً لأبنائي .

انشغلت بعملي عن وحدتي حتى بلغت سن المعاش، فبدأ الجدول المقرر لخدمتي في الاضطراب، حتى أصبحت لا أرى أولادي ونحن نعيش في منزل واحد، واكتفوا جميعاً بالسؤال عني عند صعودهم إلى شققهم أو نزولهم منها، ولولا صديقي وجاري العزيز، الذي يؤنس وحدتي ويسأل عني، ويساعدني في بعض شئوني لظروف مرضي لتعفنت في شقتي خاصة بعد إصابتي بجلطة في القلب شفيت منها سريعاً وأصبحت في حاجة إلى عناية غذائية وصحية وأنا في السبعين من عمري .

خلل في التربية أم جحود الأبناء






انشغال الأبناء عن أبيهم أو أمهم لا يعني بالضرورة وجود خلل في تربية الأولاد، ولكن طابع الحياة وأزماتها الاقتصادية لم تعد تتيح للابن تمضية أكثر من يوم مع أبيه المسن ، تاركاً الأب أو الأم يعيش في فراغ بقية الأسبوع . هذا ما يؤكده الدكتور محمد فكري عيسى أستاذ(م) الطب النفسي بجامعة عين شمس، الذي شارك في ورشة عمل عن الرعاية المتكاملة لمرضى الزهايمر بمؤتمر الشيخوخة بأبي ظبي.

ويرى الدكتور محمد فكري، أن زواج المؤانسة، فكرة حميدة قائمة على التفكير العقلاني وتلبي الاحتياجات النفسية للمسن الذي باتت تقتله الوحدة بعد انشغال أولاده عنه، كما أن أهم ميزة فيه أنه لا يثقل كاهل الزوجين بالمسئوليات كما هو حال صغار السن .

ورغم تأييد أستاذ (م) الطب النفسي للفكرة ، إلا أنه يعترض على استكمال المسنين حياتهما الأسرية بتبني أو كفالة أيتام في المنزل ، مؤكداً أن ظروف المسن الصحية والفجوات الثقافية الموجودة بين الجيلين لا تسمح له برعاية أطفال خاصة وأننا في سباق تكنولوجيا المعلومات التي لا يتقنها غالبية المسنين وتستحوذ علي اهتمام جميع الأطفال بلا استثناء، وليكن مثالنا العبء الذي تشعر به الجدة رغم وجود خادمة عند رعاية حفيدها أثناء تواجد أمه في العمل.

الدعم لا يأتي بالزواج






أما الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة ، فيرى أن معاناة كبار السن في مجتمعنا تكمن في احتياجهم للشعور بأن حياتهم لها معنى، ومازالوا محل تقدير من جميع المحيطين، فكبير السن يشعر بالاهمال وعدم الاكتراث ورفض المجتمع ويتجلى ذلك عندما يخرج إلي المعاش ، وعندما ينشغل أولاده عنه بحياتهم الخاصة.

ويضيف قائلاً : في رأيي أن الدعم النفسي لا يأتي بالزواج، وإنما بوجود أدوار ذات معنى يقوم بها المسن في الحياة، كي لا يعد الساعات الباقية حتى ينتهي أجله في الحياة .

يؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن فكرة زواج المؤانسة، مأخوذة من مجتمعات غربية طبيعي أن يتزوج فيها المسنين بعد السبعين ويكون لديهم قابلية للحياة والحب من جديد، أما في المجتمع العربي غالباً ما يعيش المسن في أوساط عائلية، وإن نظرنا إلى الحالات الموجودة في دار المسنين نجدهم لم ينعموا بنعمة الإنجاب، أو أن أولادهم مشغولين لدرجة لا تسمح لهم برعاية والديهم وهذه قلة .

ويتابع : كما أن فكرة زواج المسن مرفوضة لدينا في المجتمع العربي ، خاصة لو كانت امرأة، إذ ترفض ثقافة المجتمع السائدة زواج المطلقة أو الأرملة من جديد، ولا ننسى أيضاً أن فكرة زواج المرأة مرتبطة بالخصوبة والعطاء والرغبة في الزواج ، وهذه الرغبة لا تتوفر لدي كثير من النساء إلا أنها تتوفر لدى كثير من الرجال ، وعند تطبيقها لا يتطلعون إلى امرأة مسنة تؤنس وحدتهم بل إلى فتاة في الأربعين من عمرها فاتها قطار الزواج قادرة على خدمة المسن والعمل على راحته.

في نهاية حديثه يشير الدكتور سعيد المصري إلى أن هذه الفكرة لا تصلح للتعميم على جميع فئات المجتمع لأن الطبقة الفقيرة لا يشغل بالها الاحتياجات النفسية وكل همها توفير قوت اليوم، والطبقة المتوسطة مطحونة تحت عجلات الحياة لتوفير الاحتياجات الأساسية ، ومنخرطة في أطار أسري لا بأس به ، لذا فإن أنسب طبقة هي الطبقة العليا من الأغنياء والمثقفين ومشاهير النجوم ، فنحن لا نتعجب عندما نسمع الفنان العالمي عمر الشريف يشكو وحدته .

هل يجب أن تنتهي حياة المسن بعد وفاة شريكه؟
برأيكم متي يكون زواج المؤانسة ضرورياً ؟.. شاركونا

No comments: