محسن العبيدي الصفا نقلا عن موقع اون اسلام
في أحد الأيام كان رجل يمشي في الشارع عندما استوقفه رجلان كلاهما من ضخام الجثة وأصحاب العضلات المفتولة وعلائم الشر والجهل بادية على محياهما, وأشار أحدهما إلى سيارتين مصطدمتين في الشارع وقال له :
- هل ترى هذا الحادث ؟ لقد صدمنا سيارتينا واختلفنا حول من المتسبب بالحادث، ولما أعيانا الجدل قررنا أن نحتكم إلى أول عابر سبيل كي يقرر من المخطئ..
جدل عقيم
نظر الرجل فرأي سيارتين إحداهما تويوتا والثانية هوندا، ثم نظر مرة أخرى إلى الرجلين ورأى أن كل منهما قادرا على أن يطحن عظامه إذا لم يعجبه مايقول فقال فجأة:
- السيارة المتسببة بالحادث هي المرسيدس !!
استغرب الرجلان وقال بصوت واحد :
- ولكن ليس هناك أي سيارة مرسيدس
فقال الرجل وهو يهرب:
- عظيم إذا ابحثا عنها وخذا حقكما من صاحبها .
هذه الحادثة تذكرني بحب العرب للجدل العقيم في كل مسائل الحياة الاقتصادية والعسكرية والدينية والسياسية، وحبهم لزج أي شخص يرونه في جدالهم والويل كل الويل إذا كان رأيك مخالفا لأحدهم، فسينقض عليك كالنسر على الدجاجة وينتف ريشك ويتركك عاريا كما ولدتك أمك .
فما أن تزور مقهى حتى يبادرك أحدهم بالسؤال عن من هو عدو العرب الأول إسرائيل أم إيران ؟ وإذا قلت إسرائيل فسيتهموك بأنك صفوي الهوى وتدافع عن إيران، وإذا قلت إيران فسيتهموك بأنك طائفي حقود تريد الفتنة بين المسلمين، وإذا قلت لهم أن عدو العرب الأول هو تفرقهم وجهلهم وعدم تظافر جهودهم مما يطمع الكل بهم من كل الجهات فستتهم بأنك تحبط الأمة وتكسر معنوياتها، فأفضل شيء أن تقول إن عدو العرب الأكبر هي جمهورية بوركينافاسو وأمرك إلى الله !!
وإذا دخلت إلى أحد المواقع الاجتماعية ستجد نفسك قد اقحمت في جدل عجيب غريب حول مصير ستيف جوبز وهل سيدخل الجنة أم النار ؟ وعلى الرغم من عقم السؤال مهما كانت إجابته لأنه لن يغير أي شيء لا في دنيانا ولا آخرتنا إلا أن أي جواب سيكون ضدك، فإذا قلت الجنة سيتهمك الإسلاميين بتحريف الدين وإذا قلت النار فسيتهمك العلمانيين بأنك متخلف ولاتقدر إنجازات البشرية.
أما إذا قلت لهم أن الرجل كان مخترعا وربح ثمن اختراعاته مليارات المرات وأن لا الله ولا البشرية مديونين له ماديا ولا معنويا، ولا يعنينا أبدا إذا ذهب إلى الجنة أو النار فستتهم بالتخلف، فأحسن شيء تقول إنه لم يمت وأن موته ليس سوى إشاعة مغرضة من منافسيه وتنفذ بجلدك.
متهم دائما
أما إذا استدرجت إعلاميا كي تحكم على القنوات الفضائية العربية أيهما أفضل حالا وأكثر نفعا؟ وأيهما أكثر ضررا وكان الخيار بين القنوات الإخبارية التي تفبرك الأخبار ليلا نهارا، وتصنع من الحبة قبة متلاعبة بمصائر الناس؟ أم قنوات "الهشك بشك" التي رفعت من شأن الراقصات والغانيات وجعلت اتفه تفاصيل حياتهن المثيرة للاشمئزاز شأنا عاما يجب أن يعرف كل مواطن به، فستجد نفسك أيضا في مأزق.
فإن قلت القنوات الإخبارية فستتهم بالرجعية وعدم مساندة الربيع العربي الذي حول نصف الدول العربية إلى خريف تساقطت معه أوراق الاقتصاد والسيادة والعمران، تاركة خلفها صحراء من الخراب بحاجة إلى عشرات السنين لإصلاحها، وإذا قلت قنوات الهشك بشك فستتهم بانك ضد الفن والحداثة وتريد أن تبقى العرب في عصر الجمال والحريم والخيم.
أما إذا نطقت الحق وقلت إن الإعلام العربي كله عن بكرة أبيه ليس سوى متاجرة رخيصة لأصحاب المليارات يلعبون فيها بعقول الناس كيفما يشاؤون، فأن الإصابة بالارتياب والبارانويا والوسواس القهري سيكون أقل ماتحصل عليه من وصف.. لذا قل إن أفضل قناة عربية هي قناة السويس وأمرك إلى الله .
هذه يا سادة طرق مجربة ومعتبرة لمن يريد أن يعيش مرتاحا بعيدا عن الجدل العقيم الذي جعلنا في آخر سطر من قائمة الحضارة البشرية بعد أن كنا عنوانها الرئيسي، وكما قال الإمام الأوزاعي رحمه الله " إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل "
ونحن اليوم مصداق هذا القول فما أكثر جدلنا وما أقل فعلنا وعملنا، والدول من حولنا تتقوى ونحن نضع مسابقة لهم أيهم أكثر عداء لنا، والعلماء يخترعون ونحن نجادل في جنتهم ونارهم ، والإعلام الدولي يغزونا من كل حدب وصوب ونحن مشغولون بطول فستان المطربة الفلانية !!
فمبروك علينا واقعنا !! وابحث عن المرسيدس !
No comments:
Post a Comment