يضم آثارها وأنماط عاداتها وتقاليدها ويعتبر زادا ثقافيا للسائحين
|
أسوان (جنوب مصر): رانيا سعد الدين
لا تكتمل زيارة السياح لمدينة أسوان عروس الجنوب بمصر إلا بزيارة متحف النوبة، أحد الروافد الأساسية في الحضارة المصرية القديمة، أو ما يعرف بـ«حضارة الفراعنة» العظام.
لا تكتمل زيارة السياح لمدينة أسوان عروس الجنوب بمصر إلا بزيارة متحف النوبة، أحد الروافد الأساسية في الحضارة المصرية القديمة، أو ما يعرف بـ«حضارة الفراعنة» العظام.
يقع متحف النوبة في بقعة من أجمل مناطق مدينة أسوان فوق ربوة عالية بجوار مقياس النيل؛ حيث تم تشييد المتحف على مساحة تبلغ 50 ألف متر مربع عام 1997، ويلفت نظرك تصميمه المعماري الذي يحاكي الطراز النوبي الذي استوحاه المصممون من المقابر الفرعونية وقد حصل المبنى على جائزة أجمل مبنى معماري في العالم عام 2001.
يقول مدير مركز المعلومات بالمتحف فتح الله السيد: «لقد نشأت فكرة هذا المتحف إبان الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ليضم التراث الأثري والتاريخي والحضاري والبيئي لبلاد النوبة. وليكون بمثابة تتويج لدور الحملة الدولية لإنقاذ هذه الآثار وذلك بعرضها في متحف يرتاده الزوار من كل بقاع العالم، ليدركوا مدى أهمية التعاون الدولي في الحفاظ على التراث الإنساني».
وبدأت الدراسات لمشروع هذا المتحف في أوائل الثمانينات، وشكلت لجان من المجلس الأعلى للآثار، واليونيسكو، ومجموعة من الخبراء بالجامعات المصرية وانتهت المرحلة الأولى بإسناد التصميمات الهندسية ومشروع إنشاء المتحف إلى المعماري الدكتور «محمود الحكيم»، والعرض المتحفي إلى المهندس الميكسيكي «بيدرو راميرز فاسكويز».
وعلى الرغم من المساحة الكبيرة التي يقع عليها المتحف إلا أن الفكرة تتلخص في تنسيق الموقع، واعتبار التكوينات الصخرية من أبرز عناصر الموقع، واستعمالها في تكوينات متنوعة منسجمة جماليا وهندسيا؛ ليتيح فضاء رحبا لعرض التماثيل واللوحات الأثرية الكبيرة الحجم في الجزء المخصص في الهواء الطلق، كما تم عمل مجموعة من المسارات التي شملت الموقع، كما تم حفر قنوات مائية وبحيرات ترمز إلى نهر النيل من المنبع إلى المصب، بالإضافة إلى مجموعة الجنادل لتوضح العلاقة بين النهر والقرية النوبية المحاطة بنباتات ذات أصول مصرية قديمة.
هذا بالإضافة إلى مسرح كبير، ومدرج مكشوف لعرض الفلكلور النوبي، وكهف عرضت على جدرانه مجموعة من رسومات لحيوانات ما قبل التاريخ.
يضيف فتح الله: كان من المهم أن يضم المتحف جزءا من الآثار الإسلامية، والتي ترجع إلى العصر الفاطمي وكانت هي الأخرى من العناصر الأساسية في العرض المكشوف.
يتكون من ثلاثة طوابق تشمل قاعة العرض الرئيسية والكافيتريا والمكتبة ومكاتب الأمناء بالطابق الأول، وحجرات التصوير والميكروفيلم. كما أن إدارة المتحف والخدمات موزعة على باقي الطوابق، وقد روعي وجود مركز المعلومات وقسم للأنشطة التعليمية الخاصة للطلاب. والمتحف مكيف الهواء بالكامل وزود بالعزل الصوتي والحراري، وبه أحدث المعدات وأجهزة إنذار الحريق والسرقة، إضافة إلى أنه مزود بالأبواب الصلبة والإلكترونية والدوائر التلفزيونية المغلقة وخمسة مصاعد لخدمة العاملين والزوار، يطمح المتحف في أن يصبح مركزا عالميا لعرض التراث الحضاري النوبي من الناحية التاريخية والأثرية، بالإضافة إلى عرضه للنواحي الجيولوجية والثقافية منذ أقدم العصور وحتى بناء السد العالي. كما يتيح المتحف الفرصة للباحثين في التراث النوبي للحصول على أكبر قدر من المعلومات، وهو مصمم ليكون مركزا للدراسات المتحفية بمنطقة أسوان.
وتم اختيار القطع الأثرية للعرض الداخلي والخارجي؛ بحيث تمثل مراحل تطور الحضارة والتراث النوبي، وذلك للمحافظة على تنوع المحتوى بالمتحف، ولأن المجموعة الأثرية تشكل الجزء الأكبر من المتحف، كما يحتوي على قاعات خاصة للدراسات الأنثروبولوجية، مع التأكيد على العناصر المميزة لشعب النوبة من الناحية الجغرافية والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والثقافية، وبالمتحف قسم لعرض خرائط وصور التكوين الجغرافي للمنطقة ويشمل التطور التاريخي لبلاد النوبة المبكر حتى العصر المسيحي النوبي والعصر الإسلامي.
يقول فتح الله السيد: صمم المتحف ليكون مركزا حضاريا للزائر العادي، ومعهدا علميا للمتخصصين، كما أنه يقدم خدماته للزائرين من مختلف الجنسيات والأعمار والثقافات، وقد حرصنا على توفير دورات للشرح وقاعات للمحاضرات والعرض المسموعة والمرئية، وقد لعبت العمارة التقليدية المحلية النوبية دورها في معالجة وتصميم الواجهات، فقد استخدمت المفردات والجمل المعمارية للتراث المعماري النوبي في معالجة الشبابيك والبوابات، كما راعى التصميم فكرة تبسيط الكتلة من الخارج واختيار المواد المناسبة في هيكل خرساني والحوائط الخارجية التي تميزت بكونها مفرغة ومكسوة بالحجر الرملي.
ويضم جزء المتحف المعروض في الهواء الطلق والذي يعتبر متحفا فريدا من نوعه في العالم بأسره، عناصر مختلفة تعكس صورا من حياة النوبيين تتمثل في المقابر الصخرية التي تعكس حالة المتوفى النوبي البدائي في مرحلة ما قبل التاريخ، أما المجرى المائي فيمثل صورة حية لنهر النيل بشلالاته وانحداره ومزروعاته على الضفتين، من نباتات الزينة والنباتات المثمرة. كما يضم متحف الهواء الطلق البيت النوبي الذي صمم ليكون صورة طبق الأصل من مسكن الإنسان النوبي بكل عناصره، وليعطي صورة حية عن حياة النوبيين الذين عاشوا في هذه المنطقة.
ويوضح «فتح الله السيد» أن المتحف لم يغفل عن شيء إلا واحتواه وضمه بين جدرانه، فهناك قاعة كبيرة تضم كثيرا من الحلي والمصوغات النوبية مستوحاة في تصميمها وزخارفها من الرموز الإسلامية، والتي ظهرت مع دخول الجنود الأتراك إلى النوبة عام 1520م، مثل الحلي الذهبية التي تمثل شكل الهلال والنجمة وهي مستوحاة من العلم التركي في ذلك الوقت، وكانت تتزين بها فتيات النوبة الصغيرات، وكانت في بداية الأمر من الفضة ثم أصبحت من الذهب، وكان رمز الهلال والنجمة عنصرا زخرفيا مهما في كثير من الحلي والمصوغات النوبية على الرغم من أن المسيحية كانت تسود النوبة في ذلك الوقت ويحكمها حكام مسيحيون، وهذا يرجح احتمال أن زخرفة الهلال في الحلي النوبية بدأت قبل دخول الأتراك.
وأيا كانت الرموز التي استوحت منها النوبة حليها فإن للنوبة حليا متميزة تناسب جميع المستويات، والدليل على ذلك الذهب للأغنياء والفضة لمتوسطي الدخل والنحاس للفقراء.
وتشير معروضات المتحف إلى أن الحلي المصنوعة من الخرز كانت أهم ما يميز الصناعات اليدوية للنوبيين؛ حيث يصنع منها حلقان وشرائط رفيعة توضع على أطراف الطرحة الخاصة بالمرأة هذا بالإضافة إلى الأساور المصنوعة من العاج أو العظم والخلاخيل الفضية.
ومن الفعاليات المهمة التي شهدها متحف النوبة افتتاح معرض داخل المتحف وكان تحت رعاية المكتب العلمي للسفارة الإيطالية عام 2001 ليضم الصور «الفوتوغرافية» للمواقع النوبية قبل الإنقاذ، وقدرت الصور بنحو 180 صورة تبرعت بها جميعا البعثات التي عملت في منطقة النوبة على مدار 60 عاما، وتعد قاعة المعرض بالمتحف نافذة مصورة على النوبة الوسطى والحديثة.
No comments:
Post a Comment