السعي وليس إدارك النتائج..اعتقاد يلغي الاعتماد على الحظ. |
الظروف.. البيئة.. المجتمع.. يراها الكثيرون عوائق وسدودا تحول بينهم وبين تحقيق ذواتهم وأهدافهم.. قصص كثيرة تسمعها ممن حولك يلعن صاحبها أحد تلك العوامل، ويعتبرها السبب في سوء حظه، لكن أكثر القصص التي كانت مثالا حيا للحظ العسر -إن جاز هذا المسمى- كانت قصة قرأتها عن أحدهم واختصر اسمه لـ"أ.م".
كان "أ.م" صاحب الحظ العسر وهو يدرس في المرحلة الثانوية بليدا متأخرا في دراسته, وعندما تسأله: ما المشكلة؟ يجيب: إن الأساتذة لا يُحسنون الشرح! وبخطى متثاقلة تجاوز الثانوية ودخل إلى الجامعة, وبعد أول ستة أشهر من الجامعة قام بتحويل نفسه من القسم الذي كان يدرس فيه, لماذا؟ لأن أحد أساتذته بهذا القسم -في تقديره- لا يفهم! المشكلة أن التخصص الجديد الذي انتقل إليه للأسف وجد فيه أستاذا آخر لا يفهم! وكانت النتيجة أنه ترك الجامعة.
ثم بدأ في البحث عن وظيفة, فوجد وظيفة, وبعد شهرين طُرد من وظيفته, لماذا؟ لأن مديره متسلط.. مديره لا يريد مصلحة العمل.. مديره لا يفهمه.
"أ.م" تزوج، وبعد ستة أشهر طلق زوجته؛ لأنها لا تفهم، على حد تعبيره.
من يقرأ قصة هذا الشخص يشعر أنه عسر الحظ فعلا؛ فحياته سلسلة من الفشل المتتابع، لكن ما استوقفني بهذه القصة هو غياب أي دور فاعل يمكن ذكره لهذا الشخص بحياته؛ فكل ما يفعله ردود أفعال تجاه ظروفه وما يحدث له، فهل حقا لا يستطيع الإنسان تغيير حظه؟
حظك أنت صانعه
يستطيع الإنسان تحسين حظه.. كيف؟ هذا ما يوضحه لنا كين ورد في كتابه "mind changing techniques"؛ فهو يرصد ست نصائح من خلالها يمكن زيادة فرص نجاحك في الحياة، واعتبر أن تحسين فرص النجاح هو من "الحظ".
أولى تلك النصائح: أن تعرف ماذا تريد، وإن كنت لا تعرفه فعلى الأقل أن تدري ما هي الطريقة لتعرف ما تريد عندما تقابله؛ فالمعرفة تزيد من إدراكك للواقع المحيط بك، وعلى سبيل المثال: لو أنك تهوى تجميع التحف القديمة، لكنك لا تستطيع تحديد هل ما بين يديك هو أثر فني أم مجرد شيء قديم جميل الصنع.. قد تفوت عليك فرصة اكتشاف أثر فني.. إذن الفرصة أو الحظ يبدأ أولا من عقلك وإدراكك أنت، ويعكس هذه الفكرة بوضوح المثل المصري الشعبي القائل: "يمسك التراب يتحول لذهب" ليدل على أن البعض فرصتهم يصنعونها من عقولهم ومعرفتهم وقدرتهم وليس مما يتيحه لهم الواقع المحيط.
أما النصيحة الثانية فهي: أن تجعل الآخرين من حولك يعلمون مجال اهتمامك وما الذي ترغب في تحقيقه بالحياة من أهداف؛ فهذا يمكنهم من إعطائك ما يتوافر لديهم من معلومات أو موضوعات ترتبط بأهدافك، كأن يعلم أصدقاؤك مثلا أنك مهتم بالبحث عن عمل بمجال ما، فكلما تقع أمامهم وظيفة مرتبطة بهذا المجال فستكون أنت أول من يرسلونها له، وقد تجلب لك هذه الطريقة كثيرا من الفرص التي لا تراها ولا تعرف عنها شيئا.
النصيحة الثالثة: كيف تتعامل مع الفشل؟ فإذا فشلت في المرة الأولى ولم تحقق ما تريد فلا تتوقف، حاول مرة أخرى، ثم مرة أخرى، ثم مرة أخيرة بنفس الأسلوب، فإن لم تنجح فتوقف وابحث عن أسلوب آخر تنجح به.. وكما يقول المثل الإنجليزي: إذا أراد النمر أن يلتهم عشاءك فلا تحاربه.. اذهب فيمكنك العودة مرة أخرى ببندقيتك لمواجهته.
النصيحة الرابعة: لا تتوقف عن التعلم واكتساب الخبرات مدى الحياة، اجعل حياتك ووقتك دائما قيمة مضافة لقدراتك وزيادة في خبراتك، ولا تتوقف عن معرفة واكتشاف الجديد؛ فكثير من الناس يتحدثون عن أحلامهم وطموحاتهم ورغبتهم في فعل هذا وذاك؛ لكن كم منهم يعد العدة لتحقيق هدفه قبلما يشرع في التنفيذ؟ وعلى العكس من هؤلاء تجد من استطاعوا أن يكونوا خبراء في مجالاتهم، بالقراءة، والدراسة، والاستماع، والاستفسار، والسعي الدائم لاكتساب الخبرات.
النصيحة الخامسة: ثق في حدسك؛ فهذا الشعور الداخلي الذي يصدره عقلك الباطن في أغلب الأحيان قد ينبهك لما غفل عنه عقلك الواعي، ولا تنس أن بعض العلماء اكتشفوا حقائق باتباع حدسهم، لكنهم كعلماء أثبتوا هذا الحدس بمدلولات يعترف بها العقل الواعي، فأعط حدسك وإلهامك فرصة، وحاول أن تفكر فيه؛ لعله يكون مرشدك إلى فرص حقيقية بالحياة.
وأخيرا.. عليك أن تؤمن بقوة أنك ستنجح ولو بعد حين؛ فكثير من الإنجازات العظيمة لم تحقق بين ليلة وضحاها، بل واجهت في بداياتها الكثير من التعب والفشل، لكن إصرار أصحابها على الاستمرار، وإيمانهم بقدرتهم على النجاح كان هو الوقود الذي دفعهم للاستمرار حتى حققوا النجاح.
ولا أجد هنا خيرا من قصة تاكيو أوساهيرا مخترع أول محرك ياباني لتكون تعبيرا واضحا عن السعي للهدف حتى إنجازه.
تاكيو ذهب ليحصل على الدكتوراه في هندسة المحركات من ألمانيا، وكان هدفه أن يصنع محركا يابانيا مائة بالمائة بكل مكوناته، لا أن يحصل فقط على الدرجة العلمية.
وبالفعل بدأ في تعلم تركيب المحرك الألماني بالتفصيل، ومن خلال إصلاح عطل بمحرك قديم اضطر أن يفكك المحرك تماما، فاكتشف أنه بحاجة لتعلم فنون الخراطة لصنع أجزاء المحرك البديلة العاطبة، فكان قراره أن يدخل المصنع كعامل ليتعلم خراطة كل أجزاء المحرك، وبعد 9 سنوات دراسة و9 أخرى من العمل المستمر باليابان استطاع أن ينتج 10 محركات كاملة صناعة يابانية خالصة.
وهكذا تقابل الكثيرين في حياتك ممن لم يقفوا على الصعاب والمعوقات بحياتهم.. بل استطاعوا فعلا أن يصنعوا حظهم بأنفسهم.. فهل كنت منهم يوما؟ أو عرفت أيهم؟
شاركنا بقصتك أو قصة من تعرف.
No comments:
Post a Comment