الحدود بين المؤشرات الصحية تتغير بفضل نتائج الأبحاث الطبية
الحدود بين المستويات الطبيعية والصحية للمؤشرات التي تدل على صحة الإنسان، تتغير. وينطبق هذا على مستويات الكولسترول، وقراءات ضغط الدم، والمؤشرات الصحية الأخرى.
ويبدو أن التعريفات الموضوعة للمستويات الطبيعية والصحية لضغط الدم، والكولسترول والمؤشرات الأخرى تتغير باستمرار. ولهذا فإن أعدادا متزايدة من الناس وجدوا أنفسهم ضمن خانة الخطر، وأنهم بحاجة إلى العلاج. وما كان يعتبر طبيعيا بالأمس أصبح اليوم بحاجة إلى العلاج! يتساءل الكثير من الناس: لماذا تتغير هذه المستويات، وهل المقاييس تتغير لكي يتمكن الأطباء أو الجهات التي تقدم الرعاية الصحية، توسيع نطاق أعمالهم. وعلى الرغم من أن الأطباء والأشخاص الآخرين المساهمين في مجال الرعاية الصحية ليسوا محصنين من الركض وراء مصالحهم، فإن هناك تفسيرات أفضل وأشمل لعملية تغيير المستويات هذه.
* «الطبيعي» لا يعني «الصحي»
* في أي اختبارات طبية، فإن «الطبيعي» يعرَّف ابتداء، بعد أن يتم أخذ القياسات لعدة آلاف من الأشخاص الذين يبدون أصحاء. وتكون النتيجة في العادة على شكل منحنى شبيه بالجرس، الذي تظهر في منتصفه القيم الناتجة الأكثر تكرارا. أما القيم العليا والقيم الدنيا التي ترصد لدى نسبة مئوية قليلة من الناس، فإنها تظهر عند نهايتي، أو ذيلي، المنحنى.
وبشكل ما، وبصفة ارتجالية، فإنه يقال عن 2.5% من الناس الذين يملكون قيما أعلى، وأمثالهم الذين يملكون قيما أدنى، إن نتائجهم غير طبيعية. وبالمقابل يقال عن الـ95% الذين يقعون بينهم، إنهم أشخاص طبيعيون.
وبهذه الصفة المستخدمة، فإن «الطبيعي» يعني «قياسي» - أي أنه يقابل القيم التي تقع في نطاق عريض من القيم الشائعة. إلا أن الذي لا يعنيه «الطبيعي» هو أن على الإنسان ألا يقلق إن كان «طبيعيا».
* سكر الدم
* خذ مستويات سكر الدم (الغلوكوز) مثلا. في السبعينات من القرن الماضي، وضعت مجموعة من العلماء المرموقين الحدود العليا لمستوى سكر الدم أثناء الصيام (أي عند التوقف عن تناول الطعام بين 6 و8 ساعات قبل إجراء الفحص) – 140 مليغراما لكل ديسيلتر (ملغم/دل). وكان هذا يعني اعتبار كل شخص لديه مستوى أعلى من 140 ملغم/دل منه، مصابا بمرض السكري. إن من المهم جدا تشخيص السكري مبكرا، حتى قبل أن تظهر أعراضه، لأن عدم تشخيصه ومعالجته يزيد من خطر حدوث أمراض أخرى، ومنها أمراض القلب والسكتة الدماغية.
وفي التسعينات، غيرت مجموعة أخرى من الخبراء الحدود العليا لسكر الدم، وقللته من 140 إلى 126 ملغم/دل. كما وضعت منطقة رمادية (مبهمة) تم تصنيفها كـ«حالة ما قبل السكري» prediabetes (التي تسمى أحيانا اضطراب غلوكوز الصيام impaired fasting glucose)، وذلك للقيم بين 110 و 125 ملغم/دل.
أما جمعية السكري الأميركية، فقد خفضت هذه القيم أكثر، إلى أقل من 100 ملغم/دل لسكر الدم الطبيعي أثناء الصيام، واضعة نطاق حالة ما قبل السكري بين 100 و 125 ملغم/دل.
وكانت دوافع كل من هذه التغييرات هي النتائج المستخلصة من دراسات علم الأوبئة الموسعة، التي أظهرت خطرا متزايدا في الإصابة بالسكري - والحالات المرتبطة به - عندما يزداد مستوى سكر الدم أثناء الصيام فوق 100 ملغم/دل. فعندما يكون المستوى في حدود 125 ملغم/دل، يصبح الخطر أعلى، مقارنة بمستوى 100 ملغم/دل، وعندما يكون 140 ملغم/دل، يصبح أعلى من مستوى 125 ملغم/دل.
وحاليا لا توجد دلائل على أن الخطر عند مستوى 99 ملغم/دل، هو أكثر من الخطر عند مستوى 90 ملغم/دل/، وهذا هو السبب الذي يعتبر فيه مستوى 99 ملغم/دل الآن، الحد الأعلى أو الطبيعي لمستوى سكر الدم هذا.
* وبعد أن تم التأكد من أن الطبيعي والصحي، من الناحية الإحصائية، ليسا متماثلين، فقد طرح السؤال التالي: هل العلاجات التي تغير المستويات غير الصحية نحو نطاقات تعتبر صحية، تحسن الصحة فعلا؟
إن كولسترول الدم هو حالة مثيرة للاهتمام هنا. فقبل عقود من السنين، اعتبرت مستويات الكولسترول التي تقل عن 280 ملغم/دل طبيعية لدى الأميركيين، وذلك بعد استخدام الـ95% من القيم المسجلة في المنحنى الشبيه بالجرس، كمقياس لها.
ولم تكن الصلة بين الكولسترول وأمراض القلب مؤكدة في ذلك الحين. ولكن، وبعد أن تأكد وجود هذه الصلة، طرح الباحثون الطبيون تساؤلهم المشروع: هل يتعرض الأشخاص الذين لديهم مستويات من الكولسترول تبلغ 280 ملغم/دل فأكثر إلى خطر أمراض القلب، أكثر من تعرض الأشخاص الآخرين الذين لديهم مستوى يبلغ 240 ملغم/دل، وهو المستوى الذي يقع ضمن النطاق الطبيعي للمنحنى؟ وكان الجواب: نعم، كما وجدوا أن الخطر عند الذين لديهم 240 ملغم/دل، هو أكبر من الخطر لدى الذين لديهم مستوى 200 ملغم/دل. وهكذا، وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين توجد لديهم مستويات تتراوح بين 200 و 280 ملغم/دل، فإنهم كانوا من ضمن الأشخاص ذوي المستويات القياسية، إلا أن مستوياتهم لم تكن صحية.
وبعد توفر أدوية خفض الكولسترول، تمثلت الخطوة الأولى في إجراء دراسات لاختبار حقيقة أن خفض الكولسترول يؤدي إلى تحسن الصحة. وقد أثبتت عشرات الدراسات العشوائية التي أجريت حول العالم على مختلف أنواع الناس، أن خفض الكولسترول، بمختلف الوسائل، نحو مستوى 200 ملغم/دل، أدى إلى درء حدوث النوبات القلبية ومشاكل القلب والأوعية الدموية الأخرى.
وقدمت التجارب العشوائية على أدوية الستاتين الفعالة دلائل أقوى، إذ أظهرت أن خفض الكولسترول هو الأفضل للأشخاص المصابين بأمراض القلب أو الذين لديهم عوامل خطورة للإصابة بها. وقد تم عام 2004 إعادة النظر في الإرشادات الوطنية الخاصة بمستويات الكولسترول، إذ أشارت إلى أن الاتجاه إلى خفض الكولسترول منخفض الكثافة LDL (الضار) إلى 70 ملغم/دل، يمثل «خيارا علاجيا» لبعض الأشخاص من ذوي الخطورة العالية. ولأكثرية الناس فإن المستويات التي تقل عن 100 ملغم/دل تعتبر المثلى، ومستويات 100 إلى 129 ملغم/دل «قريبة من المثلى».
إن الاندفاع نحو خفض الكولسترول كان له أثر قوي على متوسط مستوياته في الولايات المتحدة. ففي بداية الستينات من القرن الماضي، كانت مستوياته، مع أخذ عامل العمر بنظر الاعتبار، هي 222 ملغم/دل. وبحلول نهاية السبعينات انخفضت إلى ما بين 210 و 215 ملغم/دل. وفي عامي 2005-2006، إلى مستوى أقل هو 199 ملغم/دل.
*«المرغوب بدلا من «الطبيعي»
* وفي رأينا، فإنه وفي الكثير من المناحي، علينا أن نتوقف عن الحديث حول الأرقام، والطبيعية منها، ونتحدث بدلا عن ذلك عن الأرقام المرغوبة، التي تستند إلى الدلائل العلمية الصلدة، التي تقود إلى فوائد صحية. وكانت هذه دوما لغة واضعي الإرشادات الطبية حول الكولسترول، وسيكون من الأفضل أن يقوم واضعو الإرشادات الطبية الأخرى بذلك أيضا.
وقد يبدو ذلك وكأنه نقاش حول التعابير اللغوية. ولكن ومن جهة أخرى، فإن الكثير من الالتباس حول «الطبيعي» يأتي بسبب معاني التعابير.
وكلمة «المرغوب» تقدم لنا تعبيرا أفضل من كلمة «الطبيعي»، خاصة عندما تذكرها الإرشادات أو يذكرها الأطباء والمرضى.
No comments:
Post a Comment