الغريم الصامت
أنا لا أشك ان الكمبيوتر معلم صبور وبإمتياز نادر، يستمع اليك، ويستجيب..، يقترح..، ويرشدك على البدائل.
ميدل ايست اونلاين
بقلم: كرم نعمة
يبدو تشبيه برنامج (ويندوز) بالمرأة بدلالتها الجنسية، يحمل تعبيرية حسية، بالرغم من الصدمة التي يولدها هذا التشبيه من الوهلة الاولى!
هذا البرنامج الذي طوع نفسه بعشرات اللغات مثل المرأة يستطيع المستخدم أن يلجه أينما يشاء.
تذكرت هذا التشبيه الذي أطلقه أحد محللي البرامجيات قبل سنوات وأنا استمع إلى صديقي الانكليزي الذي لا تجمعني بصداقته سوى كراسي المقهى، حيث نلتقي كلما شاءت الصدف،
عندما أطلق سؤاله بهدوء وروية عما إذا كنت أفضّل الكمبيوتر على المرأة؟
بساطة السؤال لا تفقده عمق الإيحاء، بل الفلسفة فيه وفق التقويم المفرط بالتفاؤل، فـ (ديفيد) وهذا اسم مطلق السؤال، تعرفت عليه في المقهى التي أرتادها يوميا في محاولة يائسة مني لقطع صلتي بالكمبيوتر قبل أن أتوجه الى عملي في الصحيفة مساء كل يوم، فحقيقة الأمر ان عملي يبدأ بعد دقائق من استيقاظي من النوم صباحاً، والفعل الأول الذي أقوم به هو الضغط على زر تشغيل الكمبيوتر، قبل أن يستمر يومي هكذا... ومحاولة إرتياد المقهى قبل التوجه إلى المكتب مساء، تبدو أشبه بالحل اليائس للتخلص من ضغط شاشة الكمبيوتر، أو على الاقل التوقف عن الكلام معه!
هذه المقهى التي تتوسط طريقاً ضيقاً للمارة في منطقة ريتشموند على ضفة نهر التايمز غرب لندن، تجاورها أعتق الكنائس على اليمين، فيما تفتح حانة أبوابها على الجهة اليسرى منذ الصباح، وكأن متراجحة الحياة هنا، لاتكمن إلا في هذا التنوع الحر المغسول بالشتاء الدائم، ولا تقوم إلا بالفعل القائم للحرية "ما أشد الإحساس اللذيذ بها".
أنا لا أشك ان الكمبيوتر معلم صبور وبإمتياز نادر، يستمع اليك، ويستجيب..، يقترح..، ويرشدك على البدائل، فمن قال انه لا يتكلم! حتى الصوت الآخر القادم من أحشائه، أو من الضفاف البعيدة يحاول أن يتخلص من المسحة التكنولوجية ويصبح إنسانياً.
بات العمل من خلاله، والمكان غادر مواصفاته الأزلية، حيث المكتب والطاولة والكم الهائل من الاوراق، المكتب يكمن اليوم في الكمبيوتر، الذي يمكن أن يكون في المقهى أو على ضفة النهر أو في الحافلة، أنه اختصار مذهل ومجزرة مريعة للوظائف في آن واحد!
لكن من يستطيع أن يضفي حساً إنسانياً على الكمبيوتر؟ هل بامكانه أن يكون بديلا عن المرأة مثلاً؟
الحل في هذا العالم القلق يكمن في المرأة في رأييّ. ليس المرأة على غرار مارغريت تاتشر مثلاً أو مادلين اولبرايت التي طالما عبّرت عن سعادتها في قتل أطفال العراق إبان طوق الحصار الأعمى على امتداد 12 عاما، ولا حتى في كوندوليزا رايس التي تمثل الكذب في أعلى صوره "السياسيون الكبار كذابون كبار".
المرأة - الحل، تمثلها الصورة المتفائلة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أو شهيدة الثورة البرتقالية ضد ملالي طهران ندا أغا سلطان... وإذا كان هناك امرأة، فهذا يعني حسب (ت.أس. اليوت) ثمة وردة في السماء.
يمكن للكمبيوتر أن يسرق الرجل من زوجته ويثير تبرمها واستياءها، ويمكن لتصرف أحمق لإمرأة ما أن تهشم هذا الجهاز كما فعلت إحداهن للانتقام من زوجها، لكنه في كل الأحوال ليس الذي يغدق عليك بالمشاعر. الكمبيوتر بلا مشاعر حتى وإن اطلق ولهاً من الموسيقى أو صورا مغسولة بعصير الفضة.
لا يمكن لي وفق ولعي بهذا الجهاز، أن أضعه في متراجحة التفضيل مع المرأة وأجد جواباً لسؤال صديقي التلقائي، فأنا لا أفرط بنسائي مثلما لا أتخلي عن كمبيوتري.
أن تضع الكمبيوتر في تقابلٍ، طبيعته الصراع والتفوق مع المرأة، أمر فيه من الالتباس أكثر من ما فيه الواقعية، ولكن سؤال صديقي لا يفقد مشروعيته، ولا حتى الحس العميق الذي يكمن فيه.